الملكية الجزئية للعقار.. مخرج آمن للطبقة الوسطى؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

الملكية الجزئية للعقار باب جديد يفتح للطبقة الوسطي في مصر
لعقود طويلة، لم يعرف القطاع الأوسع من المصريين مآلاً لأموالهم إلا البنوك.
يذهب أحدهم إلى الخليج ويعود بتحويشة العمر ليضعها في البنك ويعيش على فوائدها، وتخرج أخرى إلى المعاش فتضع مكافأة نهاية الخدمة في أحد البنوك وتتكئ على فوائدها في أرذل العمر.
لكن في الجمهورية الجديدة، لم تعد العشرة آلاف جنيه من الفوائد التي كانت ملائمة بالأمس كافية اليوم، في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار الناتج عن انهيار الجنيه أمام الدولار.
خيارات المصريين البديلة
“كنت أرتدي ماركات طوال الوقت تقريباً، الآن توقفت” هكذا يصف مازن الموظف بأحد البنوك الاستثمارية والذي يعتبر بالمعايير المصرية من الطبقة الوسطى العليا حاله اليوم مع ارتفاع الدولار الذي اجبره علي تغير نمط حياته والتنازل عن رفاهيات الامس.
وكلما انخفضت درجة في السلم الاجتماعي، كلما شاهدت تنازلات أكبر، وفي بعض الأحيان تنازلاً عن ضروريات.
وفي ظل تغير نمط معيشة المصريين الناتج عن انهيار قيمة الجنيه، لم تعد البنوك بالنسبة للكثيرين خياراً ملائماً للأوضاع الجديدة في مصر.
مكاسب وهمية وخسائر مخفية
رغم ارتفاع العوائد الشهرية للبنوك، فإنها عملياً لم تعد كافية للمدخرين، بل يمكن القول إنها بقيت “واقفة عليهم بخسارة”.
فنظرة على الحساب الختامي لشهر سبتمبر ٢٠٢٤ تخبرنا أن إجمالي ودائع البنوك بلغ ١٢٫٨ تريليون جنيه بنهاية سبتمبر ٢٠٢٤، مقابل ١٠٫٢ تريليون جنيه بنهاية ٢٠٢٣، أي أنها زادت بنسبة ٢٧٪ تقريباً.
جاء هذا الارتفاع في ودائع البنوك مدفوعًا بطرح بنكي الأهلي وبنك مصر في يناير ٢٠٢٤ شهادات لمدة سنة ذات عائد سنوي ٢٧٪ تُصرف بنهاية المدة و٢٣٫٥٪ يُصرف العائد شهرياً، وهو ما اجتذب مئات المليارات من الجنيهات للاكتتاب في تلك الشهادات، حيث بلغت الودائع نحو ٥٦٥ مليار جنيه خلال شهر واحد من إصدارها.
كما رفع البنك المركزي سعر الفائدة ٦٪ في مارس ٢٠٢٤ دفعة واحدة ليصل إلى ٢٧٫٢٥٪ وذلك في أعقاب قراره بتحرير سعر الصرف.
نتج عن ذلك ارتفاع إجمالي ودائع القطاع العائلي بالبنوك إلى ٧٫٤ تريليون جنيه بنهاية سبتمبر ٢٠٢٤ مقابل ٥٫٨ تريليون جنيه بنهاية عام ٢٠٢٣، بارتفاع بقيمة ١٫٦ تريليون جنيه.
إلى هنا والأمور تبدو جيدة، البنوك ترفع الفائدة والإيداعات تزيد والجميع تغمره السعادة.
لكن حقيقة الأمور لم تغمر السعادة احداً ذلك أن ارتفاع الفوائد البنكية كان اسمياً، لكن على حقيقة الأمر كان سلبياً بعد ارتفاع المعدل السنوي للتضخم إلى ٣٣٫٧٪ في مارس ٢٠٢٤ ثم ٣١٫٨٪ في أبريل ٢٠٢٤، أي أن العائد كان سلبياً بنحو ١٠٪ (الفرق بين فائدة الشهادات والتضخم). وهو ما انعكس علي معدلات الايداع في البنوك التي بلغت في الشهر الاول ٥٦٥ مليار جنيه ثم انخفضت في الشهر التالي الى١٣٥ مليار جنيه فقط.
بينما ارتفع سعر الذهب خلال التسعة أشهر الأولى من ٢٠٢٤ بنسبة ١٢٫٣٪
بتعبير أكثر بساطة، ارتفعت الفوائد في البنوك لكن التضخم زاد بنسبة أكبر، وهو ما ظهر في انخفاض معدلات الإقبال على الودائع البنكية شهرا تلو الآخر. وبدأت الأموال تتجه أكثر نحو الذهب الملاذ الآمن المعتاد
من هنا بدأ شبح تجربة الثمانينات يعود من جديد، حين ذهبت أموال الطبقة الوسطى إلى وسائل الادخار غير الرسمية، فبزغت شمس شركات توظيف الأموال مثل الريان والسعد والشريف والريان ومن شابههم. فها هي اليوم مصر يبدأ فيها البحث من جديد بدرجات متفاوته عن مخرج آمن يحافظ للطبقة الوسطى في أدنى الأحوال على قيمة أموالهم في ظل الانخفاض المستمر لقيمة الجنيه.
ولأن التجارة ليست متاحة للجميع، والبورصة ما زالت شفرتها عصية على الفهم لأغلب الناس، فكانت المسارات الملائمة المتوقعة تنحصر بين ادخار الأموال في الذهب أو الدولار. تلك هي الخيارات المتاحة للباحثين عن ملاذ آمن يضعون فيه أموالهم حتى لا تخسر قيمتها مع كل هبوط للجنيه أمام الدولار.
مسارنا المعتاد
المسار الثالث الذي اعتاده قطاع ليس بالهين من الطبقة الوسطى هو الاستثمار في قطاع العقارات، ضع أموالك في شقة، أو إن كنت تمتلك مالاً أوفر ابني عمارة، أجر الشقق واعتمد على الإيجار.
لكن المشكلة الآن أن العقارات هي الأخرى ارتفعت بشكل جنوني، فضلاً عن أن ذلك القطاع بطبيعته يحتاج إلى سيولة كبيرة للدخول فيه حتى وإن كنت تحتاج فقط إلى شقة واحدة، التي ارتفعت قيمتها الآن لتكسر أدناها حاجز المليون جنيه!
الملكية الجزئية للعقار.. باب جديد يفتح
سؤال: لنقل ان هناك مواطن يمتلك 100 ألف جنيه، أين يذهب بهم؟
البنوك صارت صفقة خاسرة، والذهب والدولار تخزين جيد للمال لكنهم لا يدرون عائداً شهرياً، والعقارات ارتفعت أسعارها وبات من العصي الولوج لهذا القطاع بتلك الأموال المحدودة… فأين يذهب أصحاب تلك الأموال بها؟
ولان فراغ يجد دوما ما يملاه، والسؤال يجد من يطرح اجابات عليه. ظهر في الآونة الأخيرة باب جديد للاستثمار يستهدف الطبقة الوسطى والطبقة الوسطى العليا الباحثون عن حل لمعادلتها الصعبة: أموالنا “المحدودة” ما هي أفضل وسيلة لاستثمارها؟ فبدأ بعض المطورون العقاريون في طرح فكرة “الملكية الجزئية للعقار” كوسيلة آمنة ومربحة للجميع.
تعتمد فكرة “الملكية الجزئية للعقار” التي يطرحها المطورون العقاريون على تقسيم المبنى سواء كان سكني أو تجاري إلى حصص، ومن حق كل شخص أن يشتري عدد الحصص التي يريد.
مثال: لنقل إن هناك مولاً تجارياً جديداً يدشن، فيتم تقسيم هذا المول إلى حصص (ولنقل 1000 حصة) تباع فرادى، ويصبح بإمكان الشخص العادي أن يشتري حصة أو اثنتين أو أي عدد من الحصص وفقاً للمبلغ المتوفر معه، على أن تتولى شركة متخصصة تلك المهمة، وبالتالي يريح المستثمر الصغير نفسه من أعباء الإدارة وتحصيل الايجار، وفي ذات نفس الوقت اذا أراد أن يبيع حصته يمكنه تنفيذ ذلك بسهولة. سواء بنفسه او عن طريق شركة الادارة.
وهنا يجني مالك الحصص مكسبين:
المكسب الأول: هو أن المول سوف يتم تأجيره، فيحصل صاحب الحصص على نصيبه من قيمة الإيجار وفقاً لعدد الحصص التي اشتراها.
المكسب الثاني: أن سعر المول يرتفع مع الوقت وعليه قيمة استثمارك فيه تزيد مع الوقت، فلو رغب مالك الحصص في بيع حصته والخروج سوف يبيع بالسعر الحالي وليس بالسعر الذي اشتراها به.
يمكن القول ان هؤلاء المطورون يطرحون نمطا جديدا للاستثمار في قطاع العقارات الذي اعتاد أبناء الطبقة الوسطى والوسطى العليا الاستثمار فيه. واعدين إياهم بعائدا شهريا جيد، فضلاً عن كونه استثماراً طويل المدى.
توجهت المنصة لاحد المطورين العقاريين العاملين في قطاع البيع الجزئيي للاعقار لفهم منه ما يحدث ولماذا؟
يبدأ أحمد أبو زيد، رئيس مجلس إدارة أبتاون 6 أكتوبر للتطوير العقاري، حديثه معنا بالإقرار بوجود خلل في عملية التسعير في مصر ويقول: “هناك تضخيم في تسعير العقارات في مصر، فالوحدة التي يبيعها المطورون الآن بـ 10 ملايين جنيه، هي في حقيقة الأمر لا تتعدى تكلفتها الـ 3 ملايين جنيه، لكن نظام الدفع على 10 سنوات حمّل الوحدة أعباء وفوائد أوصلتها إلى 10 ملايين جنيه.”
أما في حالة الملكية الجزئية للعقار – والحديث ما زال لأبو زيد – فإن المشتري لا يتحمل كل ذلك، لأن العقار يُباع بسعر الكاش (بسعر البيع الفوري وليس التقسيط)، وغالبًا ما يكون قد بدأ بناؤه بالفعل، فيتفادى الجميع التضخم وسعر الفائدة. ولذلك، فإن الملكية الجزئية للعقار باب جديد يُفتح لطبقات أوسع، يسمح لهم بدخول عالم الاستثمار العقاري بمدخرات أقل ومخاطر أدنى.
يتحدث أبو زيد للمنصة عن دخول الفكرة إلى مصر ويقول: “نحن ندرس الفكرة منذ 10 سنوات، لكن الأجواء لم تكن مناسبة حينها لطرحها. أما الآن، فمع تغير البيئة الاستثمارية في مصر وتطور البنية التحتية التقنية ، أصبح السوق مهيأ لاستقبال ذلك النمط الاستثماري الذي يعتمد إلى حد كبير على وجود كافة البيانات والأسعار متاحة على الإنترنت.”
يستطرد أبو زيد: ما نقدمه اليوم في منصة امتلاك من حيث إمكانية الشراء والبيع والمتابعة عبر منصتنا الإلكترونية موجود منذ سنين طويلة في أوروبا والولايات المتحدة، نحن فقط نطبقه في مصر ولا نخترع العجلة، وكل ما يلزمنا للمضي قدمًا في ذلك المسار هو إدخال بعض التعديلات على البنية التشريعية حتى يتم التوسع في مجال الملكية الجزئية للعقار.
مخاوف مشروعة
ولأن المخاوف مشروعة والأموال شحيحة، لذا توجهنا بالسؤال إلى الاقتصادية ماري مراد عن ذلك النمط الوافد على قطاع الاستثمار العقاري، لتبدأ حديثها معنا بالقول: الملكية الجزئية للعقار بشكلها الواسع ليست جديدة تماماً على مصر، فالصعايدة (أهل الجنوب المصري) عرفوا هذا النمط من التعامل المالي مع العقارات بشكل بدائي.
حزمة رجال من نفس القرية، يجمعون أموالهم سوياً، يبنون عمارة، وحين يتم البيع يقتسمون أنصبتهم. تسترسل ماري وتقول: “شارع فيصل كله اتبني كده” (أحد الشوارع المزدحمة بالجيزة).
هذه هي البذرة الأولى للملكية الجزئية للعقار، والذي يحدث الآن هو عملية تطوير وتنظيم أكثر تعقيداً لتلك الفكرة البسيطة، وبدلاً من أن تنتظر لبيع العقار وتأخذ نصيبك من الربح، أصبحت شريكاً في عملية طويلة المدى وتحصل على عوائد شهرية وأرباح طويلة المدى.
لكن.. وتحت “لكن” هذه ضع خطين (تقولها ماري بنبرة حازمة) هناك عدة مخاطر يجب تلافيها والاحتراز منها عند التعامل على الملكية الجزئية للعقار. أهمها التأكد من أن أرض المشروع مدفوعة الثمن بالكامل. ثانياً – والحديث ما زال لمراد – أنصح من سيضع أمواله في ذلك النمط الاستثماري ألا يشتري في مشروع على الخرائط بل يفضل أن يكون المشروع قد أقيم بالفعل وجاهزاً على التشغيل أو على الأقل في طور التنفيذ وقطع أشواط فيه، وغير ذلك فإنك تعرض أموالك لمخاطر جمة.
مساعي الدولة ومصالحها من الملكية الجزئية للعقار
السؤال الآن، نحن نتحدث عن نمط جديد يشتبك مع الكثيرون إذا نجح، فما هو دور الدولة؟ ما هي الاتجاهات التي يفكر فيها صناع القرار في ذلك الملف؟
توجهت “المنصة” بالسؤال إلى عابد مهران عضو المكتب الفني بوزارة الاستثمار، والذي استهل حديثه معنا بالقول: هناك توجه عام لدى الدولة بالاهتمام بقطاع العقارات، وهو ما ظهر جليا في تعديل الكثير من القوانين مؤخرا.
يضيف مهران هناك نوع من صناديق الاستثمار تسمى صناديق الاستثمار العقاري، تلك الصناديق ستلعب في المستقبل القريب دوراً محورياً في مهمة البيع الجزئي للعقارات (بيع حصص) للمستثمرين وهو ما سيخدم بشكل مباشر توجه الدوله بتشجيع تصدير العقار إحدى النقاط التي تركز الدولة المصرية عليها حالياً لجذب عملة أجنبية. (المقصود بتصدير العقار هو بيعها لمستثمرين أجانب)
هذا توجه جديد للدولة سينعكس إيجاباً على صناديق الاستثمار العقاري، وفرص البيع الجزئي للعقارات، ومن المتوقع ان ينتعش اكثر في الفترة المقبلة
بين دولة تسعي لتصدير العقار، وشريحة ليست بالهينة تبحث عن فرص استثمار آمن، يطلع علينا البيع الجزئي للعقار كحل يبدو ملائم للكثيرين، شريطة أن تراقبه الدولة بكثب وحسم، حتى لا يجد المصريين أنفسهم واقعين في براثن الف مستريح جديد.

اقرأ ايضا  لعبة العصا والجزرة بين إسرائيل ودروز فلسطين